مجلة بصمات

الفن الإسلامي: حين تحوّل الجمال إلى عبادة

لم يكن الفن الإسلامي وليد الترف أو المحاكاة، بل كان ولادة جديدة للروح، وخطوة في درب النور، وتحولاً عميقًا في وجدان الإنسان الذي دخل الإسلام، لا كدين فقط، بل كمنظومة حياة، وذوق، ومعنى. القرآن: صوت الحرف وروح الفن منذ أن تجلّى القرآن الكريم على لسان النبي ﷺ، أدرك المسلمون أن للحرف صوتًا وإيقاعًا ونبضًا. لم تعد الحروف أدوات صمّاء، بل غدت نوافذ للمعنى، ومآذن تنادي بالحق، فكان الخط العربي الوسيلة الأقدس لتسجيل هذا الذكر، ولحفظه كما وعد الله: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”. وهكذا بدأ الفن الإسلامي بخط الحرف، لكنه لم يقف عنده. لقد تمدّد، تشكّل، تسلّل إلى الجدران، والمحاريب، والمنابر، والسقوف، والقلوب. الحصان العربي: حكاية ممهورة بالحرف والزخرفة على ظهور الخيول، ارتفعت رايات النصر، وتزينت السروج برقوش من نور، كأن كل فرس تحمل على رقبتها بيتًا من الشعر، أو آية من كتاب الله، تُزفّ إلى المعركة كما تُزف العروس إلى الفجر. “فالعاديات ضبحًا، فالموريات قدحًا، فالمغيرات صبحًا” هكذا وصف الله اندفاعها، وسرعتها، وغبارها الذي يملأ الأفق رهبة. ليست الخيل في الإسلام مجرّد دابة، بل رمز للقوة، والجمال، والوفاء، كما في قوله تعالى: “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم…” الفن هنا لم يأتِ ليتزيّن، بل ليُقاوم، ويُلهب النفوس، ويخلّد البطولة في الحرف، وفي النحاس، وفي الجلد. من المحراب إلى المئذنة: هندسة الروح دخل الإسلام إلى بلاد فارس، والشام، ومصر، والأندلس، فحمل معه الخط والزخرفة، واختلطت المآذن بالقباب، وتلاقت الأقواس البيزنطية مع الوحدات الهندسية، فولدت الريازة الإسلامية – عمارة لا تبحث عن الترف، بل عن التسامي. لم تُصوَّر الوجوه، لكن رُسمت الأرواح. لم تُجسَّد الكائنات، بل تجلّت الكلمات. وهكذا، ظهرت “الثيمة الإسلامية” في الفن، من خلال: الزخارف النباتية (الأرابيسك): كرمز للخلق المتجدد واللامحدود. الزخارف الهندسية: كدلالة على النظام الإلهي والدقة الكونية. الخط العربي: كجسر بين الشكل والمعنى، بين الجمال والعبادة. الفن الإسلامي… تحوّل لا زخرفة لم يكن الفن الإسلامي مجرد رسمة على جدار، بل حدثًا وجوديًا. لقد بدّل ذائقة الإنسان، وجعل من الجمال وسيلة للسمو، ومن الزخرفة طريقًا للتفكر، ومن الإبداع دعوة للتوحيد. لم يعد الفنان يسعى وراء الشهرة أو الذات، بل وراء أثرٍ خالد يحمل رسالة السماء. فإذا تأملت زخرفة على درع، أو كتابة على قبة، أو آية منقوشة على سيف، أو اسم الجلالة على رأس حصان، فأنت لا ترى “فنًا”، بل ترى إيمانًا مشكولًا بالحرف واللون، ومروية إسلامية تنطق بالصمت الجميل. خاتمة: سيمائية الروح والهوية لقد أوجد الإسلام سيمائية فريدة في فنونه، ليست سطحية ولا زخرفية فقط، بل تمس الجذر، وتعبر عن هوية الإنسان المسلم في كل مكان وزمان. إنها لغة بصرية تقول: > “نحن أمة جعلت من الحرف صلاة، ومن الجمال سبيلًا إلى الله”. #منقول أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025

الفن الإسلامي: حين تحوّل الجمال إلى عبادة Read More »

شمال السعودية… متحف مفتوح لحضاراتٍ نطقت بالحجر 

حين يروي الحجر قصة الإنسان في شمال المملكة العربية السعودية، لا يسير الزائر على رمالٍ صامتة، بل على أراضٍ تنبض بحكاياتٍ عمرها آلاف السنين. هناك، تتحدث الصخور، وتروي الجبال، وتستعرض الأودية سجلاً زمنيًا هائلًا لوجود الإنسان، وحضوره، وإبداعه. إنها الأرض التي شكّلت ذاكرة الجزيرة، لا بالكتابة وحدها، بل بالنقش والرسم والنحت والبناء كأنها تحوّلت إلى متحف مفتوح يُعرض فيه التاريخ بأساليبه الأولى. أول الحكاية: آثار ما قبل التاريخ يُجمع علماء الآثار على أن شمال الجزيرة العربية، وبخاصة مناطق مثل الجوف وتيماء وحائل وخيبر، كانت مأهولة منذ العصور الحجرية القديمة، إذ وجدت أدوات حجرية بدائية في مواقع مثل “النسيم” بحائل، تُقدّر أعمارها بأكثر من 350 ألف سنة. ومع مرور العصور، ظهرت المستوطنات الزراعية الأولى، وتجلّى في الأودية أول معمارٍ بشريّ واضح، يتكوّن من هياكل حجرية دائرية وممرات طويلة تُعرف بـ”مصائد الصيد الصحراوية” أو “الطائرات الصحراوية”، وهي هندسة فطرية مذهلة سبقت الهندسة الأكاديمية بآلاف السنين. النقوش والرسوم: عندما نطق الجدار ربما لا تكتمل صورة الشمال السعودي الأثري دون التوقّف عند إرثه الصخري الباذخ، حيث تُعدّ مواقع مثل جُبّة والشويميس في حائل والشويحطية من أعظم أرشيفات الرسم البشري القديم في العالم، وقد سُجّلت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. تتزاحم على هذه الصخور آلاف الرسوم التي تُظهر البشر وهم يرقصون، يصطادون، يربّون الماشية، أو يرفعون أيديهم للسماء؛ كأننا أمام شريط سينمائي خام للحياة اليومية في عصورٍ لم تخلّف كتبًا. وتتماثر الكتابات القديمة نقوش بلغاتٍ قديمة مثل الثمودية واللحيانية والآرامية والنبطية والهيلوغريفية وحتى اليونانية. في تلك المساحة الشاسعة، تتعانق الفنون واللغات، وتتجاور الحضارات كما لو كانت هذه الأرض ملتقى ثقافيًا عالميًا قبل آلاف السنين. مدائن صالح: المرآة الكبرى لحضارة العرب الأنباط لكن التاج المرصّع على جبين آثار الشمال يظلُّ مدائن صالح (الحِجر)، أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. هناك، نحت الأنباط قبورهم في الصخر الرملي بمهارة تعجز عنها أدوات اليوم، فتركت خلفها أكثر من 110 مدافن ضخمة تزيّن واجهاتها عناصر معمارية هلنستية ومصرية، وأحيانًا محلية، في تزاوجٍ حضاري فريد يحنع لغات وفنون العالم القديم بمختلف حضاراته. لقد كانت هذه المنطقة نقطة التقاء على طريق البخور، وملتقى للتجارة والقوافل، ما جعلها أكثر من مجرد مقبرة… بل مدينة تجارية زاخرة كانت شاهدة على ازدهار الفن العربي القديم وتقدّمه في العمارة والماء والهندسة. واحات الحضارات: تيماء ودومة الجندل وخيبر في أعماق صحراء تبوك، وعلى تخوم النفود، نشأت واحاتٌ تحوّلت إلى ممالك صغيرة مستقلة، مثل تيماء التي تعود آثارها إلى الألف الرابع قبل الميلاد، وتُظهر نمط حياةٍ مستقرة ومزدهرة، حيث الكتابة الآرامية والنقوش البابلية والمعابد الآرامية. وفي دومة الجندل، تلتقي آثار النبطيين بالرومان بالعرب الجاهليين. أما خيبر، فهي أكثر من واحة؛ إنها فسيفساء طبقية من الحضارات، حيث اكتُشف مؤخرًا نظام زراعي معقد من العصر البرونزي، ومدرجات زراعية دائرية، وأنظمة ريّ تحت الأرض، كلها توحي بأن الإنسان القديم لم يكن فقط ناجيًا من الصحراء، بل مهندسًا لها. الربذة: أثر من الفجر الإسلامي على طريق الحجيج الشهير “درب زبيدة”، تقع مدينة الربذة، وهي مستوطنة إسلامية مبكرة تزخر بآثار عمرانية فريدة تعود للقرن الأول الهجري، منها بيوت الطين، والمخازن، والمساجد، والمعاصر. تُظهر الربذة كيف كانت الحياة اليومية في صدر الإسلام، وكيف أسهمت الجغرافيا والروح في صياغة عمرانٍ يراعي القيم والبيئة معًا. الجماليات: عبقرية الخطّ والبناء والفكر في كل حجرٍ شماليّ جمالٌ ما، وأحيانًا دلالةٌ عميقة. الرسوم الصخرية ليست فقط أشكالًا بدائية، بل شفرات بصرية للغةٍ شعورية اندثرت. القبور النبطية ليست مجرد مساكن للموتى، بل إعلانات عن الثراء والهوية والقوة. القرى الإسلامية المبكرة تعبّر عن تقشّفٍ فنيّ مدهش يجمع بين الجمال والعملية. خاتمة: كنوزٌ لا تزال تُكتشف شمال السعودية ليس بقايا أطلال، بل مستقبل مفتوح للبحث والتأمّل. في كل عام تُكشف مواقع جديدة، وتُعاد قراءة المواقع القديمة بعيون علمية جديدة، بفضل جهود وزارة الثقافة هيئة التراث، ومشروع العُلا، وشراكات عالمية مع جامعات ومراكز أبحاث. لقد خرجت آثار الشمال من الظلال، لتصبح فصولًا حية في كتب العالم عن أصول الإنسان والإبداع.وفي زمنٍ يعيد فيه العالم النظر في علاقته بالتراث، تفتح هذه الأرض أبوابها لا كمتحفٍ مغلق، بل كقصيدةٍ نُحتت في الرمل والجبال، كتبها الإنسان العربي قبل أن يتعلّم الكتابة… وما زالت تبوح. تحتاح هذه الثروة الرقارية للرؤية والقراءة والكتابة من جديد واستلهامها وتطويرها في مجالات التصاميم والفنون اليوم. #د.عصام عسيري أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025 أغسطس 1, 2025

شمال السعودية… متحف مفتوح لحضاراتٍ نطقت بالحجر  Read More »

فن القَطّ العسيري

تراث نسائي عريق في تزيين المنازل ينتمي فن القط العسيري المعروف أيضاً بالنقش أو الزيان إلى الفنون التجريدية التي نشأت وتطورت في منطقة عسير بالمملكة العربية السعودية يتميز هذا الفن التراثي الذي تم إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي في 9 ديسمبر 2017 بمجموعة من الأنماط الهندسية والتصاميم المتنوعة التي تنفذ على طبقات متعددة حيث تتشكل خطوط ورسومات مميزة لكل منها تسميات خاصة ثم يتم تلوينها بألوان محددة كالأسود والأزرق والأحمر والأصفر. يمثل هذا الفن العريق أحد الممارسات التقليدية في جنوب السعودية حيث تتولى النساء زخرفة المنازل من الداخل بينما يهتم الرجال ببنائها وصيانتها من الخارج تقوم ربة المنزل برسم أشكال متناسقة على الجدران الداخلية باستخدام ألوان زاهية وجذابة حيث تبدأ بوضع الخطوط الأولية للنقوش وتحديد النقاط الملونة لكل جزء ثم تتجمع النساء من القريبات والصديقات للمساعدة في إكمال التصاميم والتلوين. تتنوع أشكال النقش العسيري وتشمل العديد من التصاميم ذات الدلالات الرمزية منها “البَنَاهْ” الذي يشبه الشجرة أو الجبال المتراصة ويرمز للأنثى، و”الأرياش” التي تأخذ شكل النباتات بين البناه و”المحاريب” الشبيهة بأمواج البحر والتي تعبر عن الجانب الديني كما تشمل الأشكال “الركون” المثلثية المتجاورة و”البلسنة” الدائرية المنقوطة و”الأمشاط” الخطية المتوازية و”التعذيق” ذي النقاط الثلاث و”سنكر ولي” من المحاريب المتوازية و”المثالث والمخامس” ذات الخطوط الأفقية و”الكف” الملون في أسفل الجدران وأخيراً “الشبكة” من المربعات المتداخلة. يعتمد فن القط العسيري على أربعة ألوان رئيسية يتم تحضيرها بطرق تقليدية اللون الأسود من مزيج الفحم والصمغ الأسود واللون الأحمر المكون من الحُسْن والمُر والرز المقلي واللون الأزرق الناتج عن خلط الطلح الأبيض مع الزرنيخ الأزرق واللون الأخضر المكون من الطلح الأبيض والزرنيخ الأخضر. حصل هذا الفن على اعتراف عالمي عندما أدرجته منظمة اليونسكو كتراث ثقافي غير مادي خلال الاجتماع الثاني عشر للجنة الحكومية الدولية في جزيرة جيجو الكورية من 4 إلى 9 ديسمبر 2017، ليصبح سادس عنصر تراثي سعودي ينضم إلى هذه القائمة العالمية بعد تربية الصقور والمجالس والقهوة العربية والعرضة النجدية والمزمار. #فاطمة علي أبو قحاص من رائدات فن القط للاطلاع على المزيد عن هذا الفن اضغط هنا نماذج من تصاميم حديثه مستوحاة من فن القط مفردات الزخارف في الجدارية المحراب فن القط المحاريب القط_العسيري الأرياش الأركان البلسنه البتره التعذيق -2 التعذيق

فن القَطّ العسيري Read More »

لماذا اللون البنفسجي غير موجود في علم أي دولة !!

يوجد في العالم حوالي 193 دولة، ليس في أيٍّ منهم لون بنفسجي بالرغم من أنه لون جميل ومحبوب، فما السبب ! الموف ، البنفسجى ، الأرجوانى ، جميعها أسماء لأحد أبرز الألوان على مر التاريخ حيث كان يعرف فى العصور القديمة بأوروبا على أنه لون مخصص للملوك والأمراء ، و كان اللون البنفسجي نادراً وغالياً جداً لدرجة أنه كان أغلى من الذهب … سبب تميُّز اللون البنفسجي هو أنه كان نادراً جداً والصبغة المستخدمة في إنتاجه كانت غالية جداً، فتلك الصبغة كانت تأتي من تجّار في مدينة “صور” (جنوب لبنان) منذ عهد الفينيقيين، وكانوا يستخرجون تلك الصبغة من قواقع بحرية صغيرة وغير موجودة في أي مكان آخر في العالم، كما أن استخراجها كان صعباً جداً ويحتاج مجهوداً كبيراً لدرجة أنهم كانوا يحتاجون أكتر من 10،000 قوقعة ليستخرجوا جرام واحد فقط من الصبغة، وطبعاً لم يقدر على تكاليف هذه الصبغة سوى الحكام، لذلك فاللون البنفسجي كان مرتبطاً بطبقات معينةأصبح البنفسجي مـتاحاً لعامة الناس منذ عام 1856م فقط حين قام الكيميائي “ويليام هنري بيركين” ذو الـ 18 عام وأثناء محاولته صنع علاجٍ للملاريا وبالصدفة صنع مُركّباً بنفسجياً ولاحظ إنه يمكن استخدامه في صباغة القُماش باللون البنفسجي، وأخد براءة اختراع عليه وبدأ بتصنيعه على نطاق واسع وأصبح فاحش الثراء بسبب هذه الصُدفة! منذ ذلك الوقت أصبح اللون البنفسجي متاحاً لكل الناس وتلاشت قيمته أما أعلام الدول فمعظمها لم تتغير منذ ذلك الوقت .

لماذا اللون البنفسجي غير موجود في علم أي دولة !! Read More »

عندما يتحول الألم إلى فن

عندما تلامس عيناك حدود الفن، قد تبتسم أحيانًا، أو تذرف دمعة، أو تمسك رأسك متسائلًا: “ما هذا الذي أراه؟”. تصور معي لوحة تطل من القرن السادس عشر كشبحٍ يرفض النسيان: “الدوقة القبيحة” للفنان كوينتن ماسيس 1513م في نظرة أولى، يلفّك صمتٌ ثقيل، ثم تبدأ التفاصيل بالتسلل إلى وعيك تلك المرأة العجوز بوجهٍ يشبه جذع شجرة معوجّ، بثيابٍ فاضحة لمخيلة عصرها، تمسك بيدها برعم وردةٍ كأنها تهدي العالم سرًا ضائعًا. لقرون، دارت حولها همسات السخرية: أهي صرخة ضدّ شيخوخة الجسد؟ أم صورة لمغوية عجوز تختفي خلف قرون غطاء رأسها؟ لكن الحقيقة، كعادتها، أكثر إيلامًا من أي خيال. لقد كانت تلك “الدوقة المسكينة” ضحيةً لكابوسٍ طبي اسمه “داء باجيت”، حيث تنقلب عظام الجسد إلى سجّانٍ قاسٍ، مشوّهةً ملامحها بلا برحمة أي قسوة تلك التي جعلت من آلام إنسانةٍ لوحةً للسخرية عبر العصور ربما كانت في يومٍ ما فتاةً تحمل الورود، أو أمّاً تحتضن طفلها. لكن التاريخ لم يحفظ منها إلا لحظة ضعفها الأقسى. عاشت الكونتيسة مارغريت مالت (المشتبه بأنها موضوع اللوحة) في القرن الـ١٤ (توفيت 1369)، بينما اللوحة رُسمت عام 1513 (أي بعد وفاتها بـ140 عامًا). في ذلك العصر، كان تصوير النساء غير الملكيات أو القديسات نادرًا، خاصة بمراحل عمرية متعددة. الخلاصة المأساوية: “الدوقة القبيحة” قد تكون الصورة الوحيدة الباقية لامرأة عانت في صمت، جسّدها المرضُ لوحةً، وحول ألمها إلى أسطورة للسخرية وغياب صورها “قبل التشوه” يُذكرنا بأن التاريخ غالبًا ما يحفظ وجوه الضحايا فقط في لحظات ضعفهم لننظر إليها اليوم بعين مختلفة: ليس كـ”دوقة قبيحة”، بل كضحية لمرض قاسٍ، وضحية لسخرية تاريخية أقسى. فلنكن الجيل الذي يمنحها ما حُرمت منه: الفهم بدل السخرية، والاحترام بدل الازدراء.”

عندما يتحول الألم إلى فن Read More »

 فن الرسم بالخيوط الفيلوغرافيا (STRING ART)

يُعد فن الخيوط، أو ما يُعرف بالفيلوغرافيا، شكلاً جديدًا من أشكال التعبير الفني، يجمع بين الدقة الهندسية، والخامات النسيجية، والإبداع المعاصر. وبعيدًا عن كونه مجرد حرفة يدوية أو ممارسة تزيينية، يستكشف هذا الفن أشكالًا معقدة وحساسة، ويستحق مكانته الكاملة ضمن الفنون الجميلة، لما يتميز به من غنى في التكوينات وعمق في الرسائل التي يُمكنه إيصالها. وقد وُلد هذا الفن في أواخر القرن التاسع عشر كأداة تربوية، قبل أن يتحوّل إلى ممارسة فنية قائمة بذاتها خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. ويشهد اليوم نهضة عالمية، حيث يتبناه جيل جديد من الفنانين لاستكشاف إمكاناته الجمالية والرمزية والعاطفية. يُنظر اليوم إلى فن الخيوط كوسيلة تعبير معاصرة، تمزج بين التقاليد والحداثة، وبين البنية الرياضية والحسّ الشخصي. فهو أكثر من مجرد زينة؛ بل يُعد لغة بصرية، وشكلًا من أشكال الذاكرة، وأداة للحوار بين الثقافات. لكن فن الخيوط لا يقتصر على المجال الفني فقط، بل يجد له تطبيقات في مجالات أخرى، منها: – في التربية، حيث يُمكنه أن يُسهم في تنمية المهارات الحركية الدقيقة لدى الطفل، وتعزيز التفكير المنطقي، وتغذية الإبداع؛ – في العلاج بالفن، يمكن أن يساعد على تحسين التركيز، وبثّ الطمأنينة، وتسهيل التعبير عن الذات؛ – في التصميم الغرافيكي، والعمارة الداخلية، وحتى في تنظيم الفعاليات أو التواصل البصري، يمكن الاستعانة بفن الخيوط لإنشاء تركيبات فنية، شعارات، أو حروف ثلاثية الأبعاد. وتُظهر هذه الاستخدامات المتعددة أن فن الخيوط هو وسيلة متعددة التخصصات، تقع في ملتقى عدة مجالات. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به للاعتراف بقيمته الحقيقية واستثمار إمكاناته بشكل كامل. images (4) small-clover-g-jpg images (3) images (2) images (1)

 فن الرسم بالخيوط الفيلوغرافيا (STRING ART) Read More »

النساجات

في زاوية منعزلة من متحف ديل برادو بمدريد، تعلو لوحة تُحاكي بألوانها وأضوائها قصةً خالدة من زمن الأساطير. ليست مجرد مشهد لنسّاجات يعملن، بل هي “صراع بين الكبرياء الإلهي والعبقرية البشرية”، بين الخلود والفناء، بين أثينا وأراكني. هذه هي لوحة “أسطورة أراكني” أو “النسّاجات” للعبقري الإسباني دييغو فيلاثكيث، التي رسمها عام 1657 كإحدى آخر تحفه الفنية قبل رحيله. المشهد الأول: ورشة النسيج حيث تبدأ الأسطورة عندما تقترب من اللوحة، تسمع تقريبًا أصوات المغازل تدور، وترى النساء منشغلات بحركات سريعة ودقيقة. في المقدمة، تظهر عاملاتٌ متواضعات، وجوههنّ منحنية نحو العمل، أيديهنّ تنسج خيوطًا ذهبية تحت ضوء خافت. لكن انظر بعيدًا، إلى الخلفية، حيث يتحوّل المشهد إلى مسرح أسطوري. هناك، تحت أقواس القصر، تقف “أثينا” (مينيرفا) مرتدية خوذتها، متجهمة الوجه، تشير بغضب إلى سجادة مُعلّقة. أمامها، “أراكني”، الفتاة المغرورة التي تجرأت على تحدي إلهة الحكمة والفنون. السجادة المنسوجة تُظهر لحظة اختطاف أوروبا على يد زيوس المُتنكّر على شكل ثور — قصة تذكّر بقوة الآلهة التي لا تُقهر. الأسطورة التي ألهمت فيلاثكيث حسب رواية الشاعر “أوفيد” في “تحولاته”، كانت أراكني “أمهر حائكة في العالم” حتى إن الناس ظنوا أن الإلهة أثينا نفسها علّمتها. لكن أراكني، بكل كبرياء، نفت ذلك وتحدّتها في مسابقة نسج. عندما رأت أثينا روعة نسيج أراكني — الذي كشف بجرأة ضعف الآلهة وجرائمهم — مزّقته بغضب وحوّلت الفتاة إلى “عنكبوت” لتظل تنسج إلى الأبد دون أن تلمس إبداعها المجد. فيلاثكيث: الفنان الذي نسج مصير البشر لم يرسم فيلاثكيث مجرد أسطورة، بل عبّر عن نفسه من خلالها. في زمن كان فيه الفنانون يعتبرون حرفيين وليسوا مبدعين، جعل فيلاثكيث من أراكني رمزًا للفنان الثائر الذي يتحدى السلطة بإبداعه. – الضوء الساحر: يسلط فيلاثكيث الضوء على المشهد الخلفي، وكأنه يقول: “الإبداع الحقيقي يحدث حين يتجرأ البشر على النظر إلى الأعلى”. – الواقعية والسحر: مزج بين الحياة اليومية (النسّاجات العاملات) والعالم الإلهي، ليذكّرنا أن الأساطير تعيش بيننا. – المرآة الخفية: مثل لوحته الشهيرة “وصيفات الشرف”، يترك فيلاثكيث المشاهد يتساءل: هل نحن جمهور أم جزء من اللوحة؟ لماذا تظل هذه اللوحة خالدة؟ لأنها ليست مجرد قصة عقاب، بل احتفال بالجمال الذي يخلقه البشر رغم كل شيء. أراكني خسرت المعركة، لكن نسيجها بقي في الذاكرة، مثل لوحة فيلاثكيث التي تتحدى الزمن. في النهاية، كل من يقف أمام “النسّاجات” يشعر بأنه أمام سرٍّ عظيم: أن الفن قد يكون لعنة أحيانًا، لكنه دائمًا ينتصر.

النساجات Read More »

فن في تسعة عقود ويتألق في ذكرى يوم السعودية الوطني ٩١

بقلم د.عصام عسيري رعت المملكة العربية السعودية -منذ تأسيسها- النشاط الوطني الإبداعي، من الحرف والصناعات والتجارة وشمل ذلك مجالات الفنون التشكيلية في نجد والأحساء والحجاز، واستمر في كل مراحل تأسيس الدولة إلى الآن، رافق الملك عبدالعزيز ضمن رجاله الأوائل الذين اعتمد عليهم، مجموعة رجال مواهب وأفذاذ، فمنهم الفنانون التشكيليون بمختلف توجهاتهم المتاحة آنذاك في الثقافة البصرية في الجزيرة العربية بداية القرن العشرين الميلادي. كان منهم على سبيل المثال عبدالله العلي الزامل، إبراهيم السويدان، عبدالفتاح مدني، محمد طاهر كردي، والذي خط بيده ونسخ أول مصحف مطبوع في مكة المكرمة 1369هـ، وكان عليه إقبال وانتشار محلي وعالمي واسع، في بداية تكوين الدولة السعودية، في عهد الملك عبدالعزيز وطيلة حكم الملك سعود. كما اهتم الملك عبدالعزيز -رحمة الله عليه- بفطنته بالتجار وأصحاب رؤوس الأموال وأدرك دور القطاع الخاص والمواطن في التنمية، لذا سعى للحفاظ وتطوير المهن والحرف وأمّن التجّار والبضائع، ودعم استخدام الصناعات الحديثة، وأسس للتعليم النظامي، الذي أولاه رحمة الله عليه وسلسلة أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان، وكل منهم أضاف لبنة في تطوير الحركة التعليمية والتنموية والتشكيلية للمواطن والمواطنة السعوديين. لوحة الملك عبدالعزيز للفنان فايع الألمعي نشأت الحركة التشكيلية السعودية الحديثة والمعاصرة تقريبًا باعتماد تدريس مادة الخط العربي والرسم والأشغال اليدوية وثم التربية الفنية النظامية في 1377هـ ، ولعل من أهم ملامح تلك الفترة رعاية ملك البلاد الملك سعود ومدير المعارف الأمير فهد بن عبدالعزيز بالتعليم والإنسان، فقد افتتحا معرض التربية الفنية والذي شاركت فيه عدة مدارس داخل المملكة، في مبنى المعارف عند افتتاحه العام 1958م، ثم عملت المديرية دورات للمعلمين في أصول تعليم فن الرسم بدار التوحيد بالطائف صيف 1382هـ، افتتح الملك فيصل بقصر نجمه في الطائف المعرض الثاني في تاريخ المملكة، وكان لأعمال معلمي التربية الفنية، ثم تأسس معهد التربية الفنية بالرياض العام 1385هـ والذي يعتبر النواة الأولى لتأسيس الحركة التشكيلية والبصرية والمسرحية السعودية. استقطبت المملكة العربية السعودية في الستينات الميلادية من القرن المنصرم، العديد من الفنانين والأساتذة المرموقين في كليات الفنون الجميلة من العراق مثل سعدي الكعبي، سلمان الدليمي، عامر العبيدي، خيري العاني، شاكر حسن آل سعيد كمعلمين في معهد التربية الفنية بالرياض، وفي السبعينات استقطبت الدكتور محمود البسيوني ولطفي زكي وعبدالرحمن النشار ومحمود الشال والعديد من الأساتذة المهمين للتدريس في أقسام التربية الفنية بجامعتي الملك سعود وأم القرى، ومن أبرز ملامح تلك الفترة ابتعاث الدولة -رعاها الله- بعض طلاب الدفعات الأولى ليتعلموا الفن في إيطاليا وإنجلترا وأميركا ومصر وكان من أبرزهم، عبدالحليم رضوي، محمد السليم، علي الرزيزا عبدالعزيز الحمّاد، ضياء عزيز، عبدالجبار اليحيا، عبدالله الشيخ، بكر شيخون، محمد الأعجم، ثم تلاهم مجموعة.تلك الدفعات وغيرها من الموهوبين مثل صفية بن زقر، منيرة موصلي، محمد الطويان، سعد العبيد، فوزية عبداللطيف، محمد الرصيص، خليل حسن خليل، هشام بنجابي، طه صبان، ونبيلة البسام، إبراهيم الفصام، كمال المعلم، عبدالله الشلتي، عبدالله حماس، فيصل مشاري، يوسف جاها، عبدالله نواوي، سمير الدهام، عبدالعزيز الناجم وغيرهم …، هم الرعيل الأول الذي أسس الحركة التشكيلية والمسرحية والتمثيلية والتلفزيونية والديكورية، استحدثوا لنا الصالات والجماعات الفنية، ومهدوا لنا الصحف والمعارض الداخلية والخارجية والتي شملت كافة أشكال الفنون التشكيلية من رسم، تلوين، نحت، خط عربي، تصوير فوتوغرافي. لوحة الفنان الرائد عبدالحليم رضوي في الحقيقة كانت رعاية الدولة لهذه الأنشطة الإبداعية، من خلال تأسيس الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكان رئيسها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وهو أمير الريشة والقلم والكلمة والفن والذوق أطال الله بقاءه، رعت هذه المؤسسة العظيمة الرياضة والشباب والملاعب والهوايات، وكان دور الأندية أوسع من نشاطها الحالي، فكانت لوحاتها تشمل (نادي …. ) رياضي، ثقافي، اجتماعي، لذا رعت الأندية الرياضية مجموعات كبيرة في الفنانين ومعارضهم الجماعية، وكان بدعم مباشر من سمو الأمير فيصل بن فهد رحمه الله، وتأسست جمعيات الثقافة والفنون. فوق ما رعت وزارة التعليم، ورئاسة رعاية الشباب للفنون التشكيلية، رعت وزارة الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، ولم تتوانَ الإذاعة والتلفزيون والجرائد السعودية في كل المناطق من دعم التشكيليين، جهود ضخمة تُذكر فتشكر، في تغطية أخبار المعارض التشكيلية، وتبنت المواهب الواعدة وشرحت تجارب الفنانين التشكيليين العظام، لعل أكثر ما نحتاج الثناء عليهم والدعاء لهم، هو مجهود الأستاذ عبالجبار اليحيا ومنيرة موصلي رحمهما الله اللذين أسسا الصحافة التشكيلية، فقد شملت مقالاتهما الأولى منذ منتصف الستينات وبداية السبعينات الميلادية، ومن أتى بعدهما مثل الأستاذ القدير سمير الدهام الذي أسس الملحق الثقافي وكتب مقالات عن الفنون التشكيلية وترجمات لمقالات نقدية وكاريكاتير ولوحة وقصيدة ومشاركات رسوم القراء، ومساهمتها في التخطيط والإشراف على معارض محلية ودولية. استمرت تلك الرعايات الحكومية ومن المسؤولين والقادة وحكام البلاد رحمهم الله، لتسعة عقود منذ التأسيس. لوحة الفنان الرائد محمد السليم واليوم عبر خطط الدولة الخمسية، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان متعه الله بموفور الصحة والسلامة وأيده بنصر وتوفيق من عنده، ازدهرت الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية، بشكل متسارع فانتشرت صالات العرض الجميلة والراقية من جدة والرياض والشرقية، لتغطي حاليا معظم مدن ومحافظات المملكة المترامية الأطراف، ومنها صالة عالمية ضخمة بجدة، شارفت على البدء قريبا، كما تأسست جماعات تشكيلية في المدينة المنورة والرياض وجازان، لتصبح الآن في كل مدينة سعودية جماعات تشكيلية، تضم مواهب في مجال معين في الفنون البصرية، من فنون طبيعية وتأثيرية، وخيالية، من فنون طبيعية وتأثيرية، وخيالية، وتجريدية، وحروفية، ونحتية، وتركيبية، ورقمية و…الخ، معاضدة ودعم الأمير فيصل بن محمد للجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وانتقل الفنان التشكيلي السعودي بريشته وقماشه ولونه، ونحته، وصورته وفلمه، من الصالات المحلية، بفضل الله ثم بتلك الرعايات الحانية للصالات الإقليمية. لوحة الملك سلمان للفنان الرائد ضياء عزيز ضياء والآن هناك حضور عالمي ملفت للفن السعودي في الخارج؛ ولعل حضور أكبر بيوت المزادات العالمية كسوثبي وكريستي والمعارض الفنية للداخل السعودي ما هو إلا ترابط دولي راقي، سينعكس لاحقًا على طبيعة ونوعية إنتاجنا الإبداعي المستقبلي. يمكن ملاحظة هذا النمو والازدهار الفني، من خلال الإنتاج الإبداعي الضخم كما ونوعا، والمتنوع محتوىً وشكلا، للفنانين والفنانات السعوديين في مجالات الفنون المرئية من رسم ونحت في مراسمهم وصالات العرض المنتشرة في معظم المدن، وفي حسابات الفنانين على وسائل التواصل الاجتماعية. لوحة الأمير محمد بن سلمان للفنان محمد عسيري كما يمكن ملاحظته في كمية ونوعية المبادرات الحكومية وشبه الحكومية، التي تسعى لاستقطاب واستثمار الطاقات الفنية الإبداعية في سواعد أبناء الوطن، هذا نلمسه في مشروعات مركز الملك عبدالعزيز الثقافي «إثراء»، ومشروعات «مسك» الفنية في ظل دعم مباشر لسمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان معشوق الفنانين وكل المواطنين. ومؤخرا تم تأسيس هيئة الفنون البصرية والتي من شأنها تطوير الحركة الفنية التشكيلية ونقلها لعدة خطوات للأمام، والرقي بها لعدة مستويات للأعلى. وفي مناسبة ذكرى اليوم الوطني التسعين هذا العرس التشكيلي والشعبي

فن في تسعة عقود ويتألق في ذكرى يوم السعودية الوطني ٩١ Read More »

المرأة والموسيقى

المرأة والموسيقى في فضاء تفكيكي: قراءة تحليلية في عمل الفنان د. أسرار سمندر (2025) بقلم: أ.د. عارف وحيد ابراهيم رئيس قسم التربيه الفنيه جامعة المستقبل تتناول هذه الدراسة تحليلًا بصريًا وفكريًا لأحد أعمال الفنان د. أسرار سمندر المنفذة عام 2025، والذي يصور امرأة تجلس أمام آلة البيانو في وضعية تأملية تعبيرية، بأسلوب يجمع بين التكعيبية والتعبيرية الواقعية وباسلوبه الخاص بالتأكيد. ركزة القراءة على تفكيك عناصر التكوين، واستخلاص الدلالات الجمالية والرمزية التي تعكس علاقة الإنسان بالموسيقى كفعل داخلي للخَلق والتوازن، كما تبرز الدراسة الجانب الأنثوي كرمز للخصوبة الفنية والصدق التعبيري. المقدمة:الفن المعاصر بات ساحةً لتلاقح المدارس والأساليب، حيث تتداخل الرؤى البصرية مع الرموز الفلسفية والنفسية. وفي هذا السياق، يقف الفنان في منطقة وسطى بين التعبير الواقعي والتكعيب التجريدي، متخذًا من المرأة والموسيقى ثنائية رمزية لاستكشاف العلاقة بين الداخل الذاتي والخارج البصري. يتخذ هذا العمل الفني نموذجًا لتحليل يربط التكوين الفني بالمعنى الوجودي للخلق الفني. أولًا: تحليل بصري للتكوين العام تمثل اللوحة امرأةً من الخلف، تجلس أمام آلة بيانو، ويقع جسدها في مركز التكوين البصري، بينما تُظهِر الخلفية تراكبات لونية متشابكة. تُوزع الكتل اللونية وفق نسق تصميم هندسي، تتداخل فيه الألوان الدافئة (البني، البرتقالي، النحاسي) مع الباردة والحياديه (الأزرق، الرمادي، الأبيض)، ما يخلق توازنًا بصريًا ديناميكيًا يربط الحالة الشعورية للمرأة بالمكان المحيط بها. يُلاحَظ في طريقة تنفيذ الفستان والأرضية ميلٌ واضح إلى أسلوب التكعيب المفكك، حيث يتبدد الواقع إلى وحدات لونية متداخلة، بينما يحافظ الشعر والظهر على معالجة واقعية تعبيرية عالية الحساسية. هذا الدمج يُنتِج أسلوبًا بصريًا هجينًا يقترب من المدرسة التعبيرية التكعيبية. ثانيًا: الموسيقى بوصفها عنصرًا روحيًا، تتجسد بآلةالبيانو لا تظهر كأداة ميكانيكية، بل كمكوّن بصري ميتافيزيقي، يُعيد تشكيل العلاقة بين الجسد والصوت، بين اللحظة والذاكرة. المرأة، بظهرها العاري وشعرها المنسدل، توحي بهشاشة داخلية وتجرد روحي أمام الموسيقى. هنا، يتحول العزف إلى فعل تطهير وجداني، والموسيقى تصبح (لغة داخلية) تعيد ترتيب الأجزاء المتكسرة في الفستان والتكوين. الانكسارات اللونية في الفستان يمكن تأويلها كاستعارة لقطع الذكريات، المشاعر، والصدمات، والتي يعيد الفن – تحديدًا الموسيقى – ترتيبها في كينونة أكثر اتزانًا. ثالثًا: الأنوثة كرمز للإبداع والتحول يمثل الجسد الأنثوي في اللوحة (مركز الخلق)، ليس بوصفه جسدًا بيولوجيًا، بل كرمز للفعل الإبداعي في أرقى حالاته. الجسد العاري هنا يُجسّد إيحاءً بالصدق الفني، ويتصل بموضوع (التجلي) في العمل الإبداعي. ويعكس حضور الشعر بحرية، من دون ربطة أو قيد، فكرة التحرر من البنية التقليدية، ليصبح الجسد معادلاً بصريًا للحرية الإبداعية. رابعًا: التقنية والأسلوب، تُظهِر اللوحة قدرة عالية في السيطرة على الخامات اللونية (خاصة الأكريليك)، مع استخدام جريء للتقنيات التقطيعية التي تُذكر بأعمال بابلو بيكاسو في مرحلته التكعيبية، غير أن سمندر يضيف لها بعدًا تعبيريًا معاصرًا وباسلوبه الخاص من خلال اللون، وحركة الفرشاة، والانسيابية في شعر المرأة. العمل ليس مجرّد تسجيل لحظة، بل بناء لزمن داخلي يتشكل في العزف، ويبدو أن الفنان يتعمد تشويش الخلفية ليفصل بين العالمين: عالم الواقع وعالم الذات العازفة. الاستنتاج، العمل يقدم رؤية فلسفية أنثوية تتقاطع مع مفاهيم الموسيقى، الجسد، والتعبير الفني المعاصر. تبرز فيه الأنوثة كحالة من الخلق المتجدد، ويظهر الفن كوسيلة لإعادة صياغة الذات المفككة في عالم سريع التفكك. استطاع الفنان د. أسرار سمندر عبر هذا العمل أن يطرح سؤالًا فنيًا بصريًا حول العلاقة بين الإنسان والفن كملجأ، لاجئًا إلى تقنيات تجمع بين التكوين المتكسر والانفعال الصادق.

المرأة والموسيقى Read More »

بيكاسو

بيكاسو والخط الواحد

الثورة في بساطة الخط لم تكن تقنية “الرسم بالخط الواحد” مجرد تمرينٍ تقنيٍّ لبيكاسو، بل فلسفةٌ فنيّة: كيف تُمسك روح الكائن بمسارٍ متصل؟ كيف تُختزل الحياة في انحناءةٍ واحدة؟” كان الخطُّ عنده يُغنّي: يرسم امرأةً بلمسةٍ حلزونيّةٍ تلتهم شعرها ووجهها وكتفيها في دوامةٍ واحدة يرسم ثورًا هائجًا بخطٍّ متعرّجٍ كالصاعقة . كل رسمةٍ كانت مغامرةً لا تُصحّح فيها الأخطاء — فالحبرُ لا يُمحى، والثقةُ باليد هي شرط النجاح. Le Chien – الكلب Portrait of Francoise Gilot Picasso War and Peace Le coq – 1907 إعلان لمعرض بابلو بيكاسو في “متحف ليون” عام 1968، ويظهر فيه عمل فني من فترة بيكاسو الزرقاء الثور – The Bull الخطُّ الواحد هو كالسحر: يبدأ كخيطٍ عشوائي، وينتهي ككائنٍ حيّ.” — ناقد فنيّ عن تجربة بيكاسو لقد قدم بيكاسو للعالم رسالةً واضحة: الفنُّ لا يحتاج لألوانٍ باهظة أو قماشٍ ضخم، بل لفكرةٍ جريئةٍ ويدٍ واثقة #أحمد معوض

بيكاسو والخط الواحد Read More »

error: Content is protected !!