المرأة والموسيقى في فضاء تفكيكي: قراءة تحليلية في عمل الفنان د. أسرار سمندر (2025) بقلم: أ.د. عارف وحيد ابراهيم رئيس قسم التربيه الفنيه جامعة المستقبل
تتناول هذه الدراسة تحليلًا بصريًا وفكريًا لأحد أعمال الفنان د. أسرار سمندر المنفذة عام 2025، والذي يصور امرأة تجلس أمام آلة البيانو في وضعية تأملية تعبيرية، بأسلوب يجمع بين التكعيبية والتعبيرية الواقعية وباسلوبه الخاص بالتأكيد. ركزة القراءة على تفكيك عناصر التكوين، واستخلاص الدلالات الجمالية والرمزية التي تعكس علاقة الإنسان بالموسيقى كفعل داخلي للخَلق والتوازن، كما تبرز الدراسة الجانب الأنثوي كرمز للخصوبة الفنية والصدق التعبيري.
المقدمة:الفن المعاصر بات ساحةً لتلاقح المدارس والأساليب، حيث تتداخل الرؤى البصرية مع الرموز الفلسفية والنفسية. وفي هذا السياق، يقف الفنان في منطقة وسطى بين التعبير الواقعي والتكعيب التجريدي، متخذًا من المرأة والموسيقى ثنائية رمزية لاستكشاف العلاقة بين الداخل الذاتي والخارج البصري. يتخذ هذا العمل الفني نموذجًا لتحليل يربط التكوين الفني بالمعنى الوجودي للخلق الفني.
أولًا: تحليل بصري للتكوين العام تمثل اللوحة امرأةً من الخلف، تجلس أمام آلة بيانو، ويقع جسدها في مركز التكوين البصري، بينما تُظهِر الخلفية تراكبات لونية متشابكة. تُوزع الكتل اللونية وفق نسق تصميم هندسي، تتداخل فيه الألوان الدافئة (البني، البرتقالي، النحاسي) مع الباردة والحياديه (الأزرق، الرمادي، الأبيض)، ما يخلق توازنًا بصريًا ديناميكيًا يربط الحالة الشعورية للمرأة بالمكان المحيط بها.
يُلاحَظ في طريقة تنفيذ الفستان والأرضية ميلٌ واضح إلى أسلوب التكعيب المفكك، حيث يتبدد الواقع إلى وحدات لونية متداخلة، بينما يحافظ الشعر والظهر على معالجة واقعية تعبيرية عالية الحساسية. هذا الدمج يُنتِج أسلوبًا بصريًا هجينًا يقترب من المدرسة التعبيرية التكعيبية.
ثانيًا: الموسيقى بوصفها عنصرًا روحيًا، تتجسد بآلةالبيانو لا تظهر كأداة ميكانيكية، بل كمكوّن بصري ميتافيزيقي، يُعيد تشكيل العلاقة بين الجسد والصوت، بين اللحظة والذاكرة. المرأة، بظهرها العاري وشعرها المنسدل، توحي بهشاشة داخلية وتجرد روحي أمام الموسيقى. هنا، يتحول العزف إلى فعل تطهير وجداني، والموسيقى تصبح (لغة داخلية) تعيد ترتيب الأجزاء المتكسرة في الفستان والتكوين. الانكسارات اللونية في الفستان يمكن تأويلها كاستعارة لقطع الذكريات، المشاعر، والصدمات، والتي يعيد الفن – تحديدًا الموسيقى – ترتيبها في كينونة أكثر اتزانًا.
ثالثًا: الأنوثة كرمز للإبداع والتحول يمثل الجسد الأنثوي في اللوحة (مركز الخلق)، ليس بوصفه جسدًا بيولوجيًا، بل كرمز للفعل الإبداعي في أرقى حالاته. الجسد العاري هنا يُجسّد إيحاءً بالصدق الفني، ويتصل بموضوع (التجلي) في العمل الإبداعي. ويعكس حضور الشعر بحرية، من دون ربطة أو قيد، فكرة التحرر من البنية التقليدية، ليصبح الجسد معادلاً بصريًا للحرية الإبداعية.
رابعًا: التقنية والأسلوب، تُظهِر اللوحة قدرة عالية في السيطرة على الخامات اللونية (خاصة الأكريليك)، مع استخدام جريء للتقنيات التقطيعية التي تُذكر بأعمال بابلو بيكاسو في مرحلته التكعيبية، غير أن سمندر يضيف لها بعدًا تعبيريًا معاصرًا وباسلوبه الخاص من خلال اللون، وحركة الفرشاة، والانسيابية في شعر المرأة.
العمل ليس مجرّد تسجيل لحظة، بل بناء لزمن داخلي يتشكل في العزف، ويبدو أن الفنان يتعمد تشويش الخلفية ليفصل بين العالمين: عالم الواقع وعالم الذات العازفة.
الاستنتاج، العمل يقدم رؤية فلسفية أنثوية تتقاطع مع مفاهيم الموسيقى، الجسد، والتعبير الفني المعاصر. تبرز فيه الأنوثة كحالة من الخلق المتجدد، ويظهر الفن كوسيلة لإعادة صياغة الذات المفككة في عالم سريع التفكك. استطاع الفنان د. أسرار سمندر عبر هذا العمل أن يطرح سؤالًا فنيًا بصريًا حول العلاقة بين الإنسان والفن كملجأ، لاجئًا إلى تقنيات تجمع بين التكوين المتكسر والانفعال الصادق.