bassmat2

إبراهيم الصلحي – السودان

إبراهيم الصلحي، ذلك الفنان السوداني الذي حمل في لوحاته روحاً لا تشبه أحداً، كان أكثر من مجرد رسام. ولد في أم درمان عام 1930، وكأن القدر هيأ له أن يكون جسراً بين عالمين: بين تراث أفريقي عربي غائر في القدم، وبين حداثة فنية تبحث عن صوت جديد. لم يكن الصلحي فناناً عادياً، بل كان صانعاً للغة بصرية خاصة به، لغة تعرفها المتاحف العالمية قبل أن يعرفها الناس في وطنه. هناك شيء غريب في لوحاته، شيء يجعل الناظر يشعر وكأنه أمام قصيدة مصورة، قصيدة تكتبها أنامل تعرف سرّ الحروف والألوان. البعض يلقبه برائد الفن الأفريقي الحديث، لكنه في الحقيقة كان أكثر من ذلك. كان شاهداً على زمن، وحكاءً يرسم حكايات القارة السمراء بلغة يفهمها العالم كله. حتى بعد رحيله، تبقى أعماله كأنها نافذة مفتوحة على روح إفريقيا، روح لا تعرف الحدود. رحلة الفنان الصلحي من السودان إلى العالم تحكي قصة إنسان لم ينسَ وطنه رغم كل ما تعلمه في الغرب. بدأ مشواره في الخرطوم، ثم أخذته الحياة إلى مدارس الفن في أوروبا، لكن شيئاً ما في داخله كان يشدّه دائماً إلى جذوره. عندما عاد، لم يكن مجرد فنان عاد من رحلة دراسية، بل حمل معه رؤية جديدة. أسس مع آخرين جماعة الخرطوم، محاولاً خلق فن حديث لا ينفصل عن التراث السوداني العريق. كان يرى في الزخارف الإسلامية والعمارة النوبية كنوزاً تنتظر من يكتشفها من جديد. لم أكن أرسم لوحات ..كنت ارسم وطناًيبحث عن وجهه في المرايا المكسوره لكن الحياة لم تكن سهلة. السجن كان محطة قاسية في مسيرته، حوّلها إلى عمل فني مؤثر. “سجن كوبر” لم يكن مجرد لوحة، بل شهادة حية على معاناة إنسان. أسلوبه الفني يشبهه تماماً، بسيط في عمقه، معقد في بساطته. الحروف عنده تتحول إلى أشكال، والهندسة تصبح لغة. الخط العربي والرموز الأفريقية تندمج في لوحاته وكأنها تحكي حكاية قديمة جديدة. كل خط يرسمه، كل شكل يبتكره، يحمل في طياته شيئاً من روح السودان. كما انه كان أكثر من مجرد فنان، كان جسراً حقيقياً يربط بين ثقافة السودان العميقة والعالم الخارجي. لوحاته لم تكن مجرد ألوان على قماش، بل كانت قصصاً تحمل روح بلاده إلى أماكن لم تكن تعرف عنها شيئاً. في نيويورك، وجدت أعماله طريقها إلى متاحف كبيرة مثل المتروبوليتان وموما، وكأنها رسائل من عالم آخر. لندن أيضاً فتحت أبوابها له، حيث قدم معرضه “فكرة إلى شكل” في تيت مودرن، معرضاً جعل الناس يتوقفون ليتأملوا الفن الأفريقي بطريقة جديدة. حتى باريس، تلك المدينة العريقة بالفن، خصصت له مكاناً في مركز بومبيدو، اعترافاً بأهمية ما يقدمه. اسم العمل – بدون عنوان أما الجوائز، فكانت بمثابة شهادات تقدير لمسيرة طويلة من العطاء. جائزة الأمير كلاوس الهولندية منحته لقب “فنان الإنسانية”، وهو وصف دقيق لفنان جعل فنه لغة عالمية. كما ان النقاد والفنانون اختاروا لوحته “صورة ذاتية للمعاناة” (Self-Portrait of Suffering) ضمن أفضل 16 “بورتريها” في تاريخ الفن على الإطلاق وفي الشارقة، حصل على تكريم خاص لمسيرته التي لم تكن عادية أبداً. كل هذه المحطات جعلت من الصلحي ليس مجرد فنان سوداني، بل صوتاً إفريقياً وعربياً يتردد في أروقة الفن العالمية. ترك وراءه إرث أكثر من 70 عام من العطاء لوحة “صورة ذاتية للمعاناة” (Self-Portrait of Suffering) وفي صباح يوم هادء بينما كان ضوء الشمس يلعب على مياه النيل، رحل إبراهيم الصلحي بهدوء. العمر لم يخدعه، تسعة عقود ونصف من العطاء، لكن الفراغ الذي تركه يشبه لوحة ناقصة. حتى النيل الذي ظل يراقب إبداعه لعقود، بدا ذلك اليوم وكأنه فقد لونه المألوف. قبل أيام قليلة من رحيله، طلب ألوانه. رسم خطين متوازيين، ثم دائرة بسيطة. “هذا الطريق.. وهذه شمسنا” قالها بصوته الهادئ. كانت تلك آخر رسوماته، بسيطة ككل حياته، عميقة ككل فنّه. رحل الجسد، لكن الخطوط باقية. تلك التي رسمها على الورق، والتي حفرها في قلوب من عرفوه. السودان فقد اليوم واحداً من أبنائه الذين جعلوا العالم ينظر إليه بطريقة مختلفة. الفنّان رحل، لكن السحر بقي. رحم الله فناناالكبير ابراهيم الصحي مجموعه من اعمال الفنان ابراهيم الصلحي

إبراهيم الصلحي – السودان Read More »

سيلفادور وسيلفادورا

كان سلفادور دالي يجلس في مقهى “الدوم” بباريس، حين سحبت يده من جيب سترته المخملية صندوقًا زجاجيًا صغيرًا. بداخله نملة حمراء تتحرك ببطء. — “هذه سيلفادورا… شقيقتي التوأم من عالم آخر!”، قالها بجدية. ضحك الحاضرون، لكن عينيه لم تكن تمزح. البداية كانت في كتالونيا عندما كان طفلًا، وجد خفاشًا ميتًا على الشرفة. جثّة تلتهمها جيوش النمل. وقف يراقبها ساعات، ثم صرخ: “انظروا! هؤلاء النمل نحاتون صغارٌ يصنعون من الموت فنًا!”. من ذلك اليوم، صارت الحشرة هاجسه. رسمها في هوامش دفاتره، ثم زحفت إلى لوحاته العظيمة: ساعات ذائبة تزحف عليها النمل… وجوه مشوّهة تخرج من أفواهها مستعمراتٌ حمراء. في مرسمه “ببرت ليغات ” كان يُدخل “سيلفادورا” إلى قفص ذهبي مرصّع بالزبرجد، ويضعها على أذنه حين يعجز عن الإبداع: — “إنها تهمس لي بأفكارٍ لا يسمعها إلا المجانين!”. وفي ليلة صاخبة، ألقى بها في فنجان قهوة أمام ضيوفه: — “ها هي ترسم تحفتها الجديدة بقاع الفنجان!”. حين سألوه: “ألا تخاف أن تلدغك؟”، أجاب بابتسامةٍ ملتوية: — “العبقرية لا تُلدغ… بل تَلدغُ العالم!”. و ذات يوم وجد “سيلفادورا” بلا حراك. أقام لها جنازةً سريالية: وضع الجثة في علبة سيجار كوبية، صلّى فوقها مرتديًا رداء كاهنٍ قديم، ثم دفنها تحت شجرة زيتون وهو يهتف: — “المجدُ للفنّ! الموتُ لوهم الخلود!”. وفي الصباح التالي، ظهر بصندوق زجاجي جديد، بداخله نملة مطابقة. — “الخلود مجرد استبدال النسخ!”، قال وهو يرفعها نحو الشمس. ولطالما كان دالي يهمس لأصدقائه: — “النملُ أفضل من البشر… يبنون مملكةً في الظلام و لا يطلبون شهرة!”. وحين سأله فتى طموح عن سرّ إبداعه، أخرج الصندوق وقال: — “كن نملةً في عالم النمل!”. وفي النهاية مات دالي، وبقيت “سيلفادورا” لغزًا. هل كانت حقيقية؟ أم لا … لا يهم. فقد صارت قصيدةً عن فنانٍ حوَّل حشرةً إلى رمزٍ، وجنونه إلى خلودٍ. وها هي اليوم، في متحفه بفيغويراس، نملةٌ ذهبية تلمع في قفص زجاجي… كأنها تضحك منّا جميعًا. المصادر : – مذكرات دالي الشخصية (الحياة السرية لسلفادور دالي). كتاب السيرة الذاتية “دالي: العبقرية الملتوية للمؤرخ إيان جيبسون #أحمد معوض

سيلفادور وسيلفادورا Read More »

قلب الواشي – هاري كلارك

“لم أكن مجنونًا…” بهذه الجملة يبدأ الراوي، وكأنه يقسم على براءته لا من الجريمة، بل من الجنون. رجل بلا اسم، بلا ماضٍ واضح، لكنه يملك شيئًا واحدًا فقط: صوتًا يتحدث إلينا من أعماق الظلام. في قصة “القلب الواشي” The Tell-Tale Heart 1843، لا نرى العالم كما هو… بل كما يراه الراوي. هو السارد والبطل والقاتل. هو ذلك العقل الهائج الذي أقنع نفسه بأنه ليس مجنونًا، لكنه لا يستطيع النوم لأن “عين العجوز” كانت تلاحقه حتى في العتمة. قتله. خبّأ الجثة تحت الأرض. وظن أنه نجا. لكن الجريمة الحقيقية لم تكن في القتل، لقد كانت في تلك الدقات… دقات لا يسمعها أحد سواه، ولا يسكتها أحد سواه. دقات من قلب مدفون، أو ربما من ضمير حيّ لا يموت. رسم توضيحي لهاري كلارك، 1919. مؤلف القصة: إدغار آلان بو .

قلب الواشي – هاري كلارك Read More »

لوحة المؤذن -للفنان الايطالي ليوناردو دي مانغو- 1919 م

لوحة “المؤذن، إسطنبول” التي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دي مانغو عام 1919، تُعد من أكثر أعماله شاعريةً وتأملًا. عاش دي مانغو فترة طويلة في إسطنبول خلال أواخر العهد العثماني، وكان مفتونًا بسحر المدينة الشرقية وتناقضاتها. في هذه اللوحة، نرى مؤذنًا مسنًا واقفًا على شرفة عالية تطل على مشهد ليلي غامر، حيث يعلو ضوء القمر فوق مياه البوسفور الهادئة، وتلوح في الأفق مآذن وقباب إسطنبول كأطياف صامتة. المؤذن هنا يبدو وكأنه ينادي الناس، يهمس للسماء، للمدينة النائمة، وربما لنفسه.

لوحة المؤذن -للفنان الايطالي ليوناردو دي مانغو- 1919 م Read More »

لوحة مشهد شارع مضاء للفنان البلجيكي جاكوب ڤيريت

في هذه اللوحة الآسرة، رسم الفنان البلجيكي جاكوب ڤيرّيت مشهدًا ليليًا من مدينة أوروبية قديمة، كما لو أنه وقف هناك بنفسه، في إحدى تلك الليالي التي لا يُسمع فيها سوى خطوات مترددة وصدى الريح الخافت. ضوء القمر يعلو بصمت خلف البرج، كأنّه يراقب من بعيد. الشوارع شبه خالية، البيوت نائمة، والعربات متروكة على قارعة الطريق، بينما تظهر ظلال الناس كأنهم أشباح خافتة تتسلل نحو مداخل البيوت أو تنسحب ببطئ. هذه اللوحة رسمت في القرن ال19، وتحمل اسم “مشهد شارع مضاء بضوء القمر مع أشخاص”، ولعل جمال هذه النسخة الرقمية التي وصلت إلينا اليوم – بجودة تفوق ما كان متاحًا في أرشيف ويكيبيديا – يجعلنا نتأمل: هل يمكن للتكنولوجيا أن تعيد لنا ما حاول الزمن طمسه؟

لوحة مشهد شارع مضاء للفنان البلجيكي جاكوب ڤيريت Read More »