التزجيج تقنية فنية راقية تتبع منهجاً طباقياً دقيقاً حيث تطبق طبقة لونية شفافة فوق سطح لوني جاف تماماً تعتمد هذه التقنية على الحوار البصري بين الطبقات اللونية حيث تشكل الطبقة العلوية الشفافة نافذة ضوئية تسمح بمرور الضوء لينعكس من الطبقة السفلية محققاً عمقاً لونياً استثنائياً.
تعتمد فلسفة التزجيج على استخدام وسط حامل شفاف وأصباغ ذات خصائص ضوئية محسوبة تتنوع الخيارات بين الألوان الشفافة وشبه الشفافة، حيث تمثل المعرفة الدقيقة بسلوك كل صبغة عاملاً محورياً في نجاح التقنية يؤدي التطبيق المدروس لطبقات التزجيج إلى تحولات لونية دقيقة مع الحفاظ على مبدأ تخفيض قيمة اللون الأساسي مقابل تعزيز شدة اللونية.
تستلزم التقنية منهجاً زمنياً محكماً، حيث يتطلب كل طبقة زمن تجفيف كاملاً قبل تطبيق الطبقة التالية كما تستوجب تهيئة سطح تحضيري متين وتخطيطاً مسبقاً للقيم اللونية، إذ لا يمكن استخدامها لتصحيح الأخطاء الأساسية في البنية التشكيلية.
يمتد عمق هذه التقنية إلى أبعاد تاريخية حيث تشكل حلقة وصل بين الحضارات الفنية فقد استخدمتها المنمنمات الإسلامية في القرن الثالث عشر، ثم طورها الفلمنكيون في القرن الخامس عشر، لتبلغ ذروتها مع أساتذة العصر الذهبي الهولندي وشكلت منعطفاً مهماً في فلسفة التصوير الزيتي، حيث انتقلت من كونها تقنية تطبيقية إلى مفهوم جمالي يعبر عن رؤى فلسفية للعالم.
تمثل تقنية التزجيج إرثاً فنياً حياً يجسّد حواراً متصلاً بين تراث فني عريق ورؤى معاصرة مبتكرة يستلهم الفنانون اليوم هذه التقنية بأشكال جديدة، مستفيدين من تطور المواد والخامات لتحقيق تأثيرات ضوئية مذهلة.
تشهد هذه التقنية على تطور الذائقة الجمالية عبر العصور ممثلةً خيطاً يربط بين روائع الماضي وإبداعات الحاضر إنها تجسيد عملي لحوار الضوء واللون الذي يتعالى على حدود الزمان والمكان، مؤكدةً أن الجمالية الفنية تمثل لغة إنسانية كونية تتجاوز الاختلافات الثقافية.
بهذا تتحول التقنية من مجرد أسلوب فني إلى ظاهرة ثقافية تعبر عن استمرارية الإبداع الإنساني حيث يبني كل عصر على إنجازات العصور السابقة مضيفاً إليها رؤيته المعاصرة التي ستكون بدورها أساساً للأجيال القادمة.

















