رحلة إبداعية بين التشكيل والشعر يُعد الفنان نوري الراوي أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية في العراق حيث جمع بين موهبة الرسم والكتابة والنقد الفني ليترك إرثاً فنياً غنياً يمزج بين الصورة والشعر والموسيقى وُلد نوري الراوي في مدينة راوة الواقعة في منطقة الفرات الأعلى عام 1925 في أسرة كان آخر أبنائها كان والده معماريًا وهو الذي شيد جامع المدينة مما أضفى على طفولته جوًا من الجمال المعماري الذي تأثر به لاحقًا في أعماله الفنية. نشأ الراوي في بلدة “عانة” الصغيرة حيث تلقى تعليمه الابتدائي وكانت تلك البلدة الريفية بمناظرها الطبيعية الخلابة وبيوتها البيضاء ونواعيرها التي تئن مع جريان ماء الفرات، مصدر إلهام دائم له ظلت هذه الصور حاضرة في لوحاته حيث مزج بين الواقع والخيال ليرسم مدناً تشبه الأحلام تخلو من البشر لكنها تنبض بالحياة الشعرية والموسيقية. بدأ ميله الفني والأدبي يظهر في مرحلة مبكرة من حياته ففي المدرسة الابتدائية كان خطيب المدرسة ورسامها وفي عام 1936 انتقل إلى بغداد ليكمل دراسته في المدرسة الكرخية المتوسطة حيث بدأ ينشر قصائده ومقالاته الأدبية في صحف مثل “بغداد” و”بالك” و”العدالة” كما نشر في مجلات عراقية وعربية مثل “الرافدين” و”المناهل” و”الأديب” و”الرسالة” كان من أوائل من كتبوا قصيدة النثر في العالم العربي، حيث نشر قصيدته “4 يناير” عام 1937. تطور شغفه بالفن عندما تعرف على المرسم، حيث مارس الرسم بألوان الباستيل واطلع على أعمال كبار الفنانين العالميين بعد تخرجه من معهد المعلمين عام 1941 عمل مدرسًا في عدة مدن عراقية ومن بين طلابه الفنان سعدون غيدان والشاعر يوسف نمر ذياب. في مطلع الخمسينيات تعرف على الشاعر بدر شاكر السياب أثناء عملهما معًا في مديرية الأموال المستوردة، وتوطدت علاقتهما لتصبح صداقة قوية حيث اشتركا في ترجمة كتابات عن الفنانين الانطباعيين وتبادلا الأفكار حول الأدب والفن وعندما اعتقل السياب عام 1959 بسبب مواقفه السياسية ساعد الراوي في إخراجه من السجن بكفالة. يُعد نوري الراوي أحد مؤسسي الفن التشكيلي الحديث في العراق حيث شارك في صياغة ملامحه مع فنانين عراقيين كبار مثل فائق حسن وجواد سليم ومحمد غني حكمت. تميز أسلوبه بالتركيز على القيمة اللونية والجمالية، حيث تمتزج لوحاته بعاطفة صوفية، وكأنها قصائد مرسومة غالبًا ما كانت لوحاته تخلو من الأشخاص لتركز على الطبيعة والمدن التي يرسمها كأنها أحلام. إلى جانب الرسم، كان للراوي إسهامات كبيرة في الإعلام الفني حيث قدم أول برنامج تلفزيوني له بعنوان “زاوية الفن” عام 1957 ثم توالت برامجه مثل “مع الفنانين” و”أعلام الفن” و”نافذة على الفن” والتي ساهمت في نشر الوعي الفني في العراق. في إحدى مقابلاته تحدث عن بداياته مع الرسم قائلًا “بدأت الرسم وأنا في الصف الأول الابتدائي كنت أرسم في دفتر المدرسة وكان قلم الرصاص هو وسيلتي الوحيدة للتعبير” كما تحدث عن علاقته بالشعر “كنت أكتب خواطري وتأملاتي بطريقة الشعر المنثور متأثرًا بما كنت أقرأه في المجلات الأدبية”. لم يقتصر إبداعه على الفن التشكيلي بل امتد إلى المسرح والسينما والنقد حيث كان عضوًا في فرقة المسرح الحديث وكتب عن الأفلام العالمية التي كانت تعرض في بغداد كما كان له دور في تأسيس متحف الفن الحديث في بغداد عام 1962 حيث قال “كنت أحلم بتأسيس متحف للفن الحديث وتحقق ذلك بمحض المصادفة”. ظل نوري الراوي حتى آخر أيامه عام 2014 منشغلاً بالفن والأدب تاركًا وراءه إرثًا إبداعيًا يجسد روح العراق بكل جماله وتناقضاته تُعد أعماله شاهدة على حقبة مهمة من تاريخ الفن والثقافة في العراق حيث نجح بجدارة في أن يكون جسرًا بين التشكيل والشعر بين الواقع والحلم. يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025 يوليو 31, 2025