الكينتسوغي فلسفة الندوب المذهبة
عندما ينكسر إناء ثمين في اليابان لا يُلقى به في سلة المهملات بل يُمنح حياة جديدة عبر فن الكينتسوغي العريق هذه الحرفة التقليدية لا تحاول إخفاء الشقوق والتلف بل تبرزها بخطوط من الذهب الخالص محوّلة القطعة المكسورة إلى تحفة فنية تفوق جمالاً وقيمة أصلها السليم.
تعتمد هذه التقنية على فلسفة عميقة ترفض فكرة الكمال السطحي وتتبنى فكرة الجمال المتولد من التقبل والتحول فبدلاً من التخلص من القطعة التالفة يقوم الحرفي الماهر بجمع أجزائها بعناية ثم يلصقها باستخدام الورنيش الطبيعي الممزوج بمسحوق الذهب أو الفضة مما يخلق شبكة من العروق الذهبية التي تروي قصة الكسر والتصالح.
فالكينتسوغي يمثل رؤية وجودية فريدة للجمال والتعافي حيث يصبح الإناء المرمم استعارةً قوية للروح الإنسانية فكما تكتسب القطعة عمقاً وجمالاً من كسورها المذهبة تكتسب الروح البشرية عمقاً من تجاربها وتحدياتها.
هذا الفنُّ هو الابنُ المدلّلُ لفلسفةِ "الوابي سابي" اليابانية إنها النظرةُ التي ترى أنَّ الكمالَ الحقيقيَّ يكمنُ فيِ التقادُم والبساطة وعدمِ الكمال الجمالُ ليسَ في المثاليةِ المستحيلة بل فيِ الندوبِ التي تروي قصتَنا والشيبِ الذي يزينُ رؤوسَنا والتجاعيدِ التي تحفُّ عيونَنا من كثرةِ الضحكِ والبكاء.
في عصرنا الحالي الذي يسيطر عليه الاستهلاك السريع واستبدال كل شيء عند أول عطل يظل الكينتسوغي تذكيراً بقيمة الإصلاح والصبر والاستمرارية إنه احتفاء بالندوب والتجاعيد والشقوق - ليس كعلامات ضعف بل كشهادات على الصمود والتجدد والتعلم.
الكينتسوغي ليس مجرد تقنية حرفية بل هو موقف وجودي متكامل قبول الكسور وتقدير التاريخ والاعتراف بأن الجمال الحقيقي يكمن في القصص التي تحكيها تجاربنا وليس في المثالية السطحية إنه دعوة للنظر إلى أجزائنا المكسورة ليس كنقاط ضعف ولكن كعلامات قوة وتحول وكفرص لخلق جمال جديد أعمق وأكثر قيمة.




