زفة عرسان بجنوب مصر

زفة عرسان بجنوب مصر.. من الذاكرة للتجسيد الفني

في جنوب مصر، لا يزال العرس الشعبي يحمل طابعاً فريداً يمزج بين الفرح الجماعي والموروث العميق. تبدأ المراسم بزفة العريس على ظهر الحصان محاطاً بالأهل والأقارب والأصدقاء والجيران، تصدح الموسيقى الشعبية بالطبل والمزمار وتتعالى الزغاريد والفرحة، فيما يشارك الجميع بالرقص والغناء والبهجة في الشارع كأن العرس عرس القرية كلها. مشهدٌ لا يعكس فقط الاحتفال بالزواج، بل يترجم روح التضامن والفرح المشترك في مجتمع مترابط.

في لوحة الدكتور أحمد سليم Ahmed Selim (٨٠×٨٠ سم، زيت على قماش) استطاع الفنان أن يلتقط هذه اللحظة الشعبية بعمق تعبيري ورمزي، كما عايشها وشاهدها واحتفل بها ويحن إليها اليوم بعدما بدأت تضمحل شيئا فشيئا مع التقدم نحو العولمة وذوبان الثقافات المحلية.

يظهر العريس ممتطياً حصانه الأحمر في مركز التكوين حاملا عروسته ورافعا دليل عفتها ونقاءها، العروسة القاصر الصغيرة رمزًا لاستمرارية الحياة والنسل، بينما يلتف حوله الجمع بين رجال ونساء، بوجوه معبرة وملامح مبالغ فيها تضج بالحياة والبهجة والانفعال. الألوان الدافئة، خاصة الأحمر والأصفر، تعكس حرارة وحماسة المناسبة وصخبها، في حين أن الخلفية المعمارية بنمطها الصعيدي تضفي بعداً مكانياً واضحاً يرسّخ المشهد في بيئته الجنوبية.

الفنان هنا لا ينقل المشهد كوثيقة بصرية فقط، بل يعيد صياغته بروح درامية؛ فالوجوه الكبيرة والعينان الواسعتان تعطي انطباعاً بالترقب والدهشة والاحتفاء بالبكرية، بينما توحي الموسيقى المرسومة وكأنها تتسرب إلى المتلقي، لنكاد نسمع صوت المزمار والإيقاع، هناك على الشباك قِط أسود ينتظر مصيره من العريس الذي لابد أن يبدي قسوته أمام عروسته في بداية مسيرة الحياة، ومن الخلفية جاء رِفد العريس هدية ذبيحة سوداء محمولة على الأكتاف.

اللوحة تكشف عن قوة الفنون التشكيلية في حفظ الذاكرة الشعبية، فهي لا تسجل عادةً فقط، بل تمنحها بعداً جمالياً يليق بقيمة هذا الموروث.

أحمد سليم
error: Content is protected !!