الفن البصري (Op Art) عندما أصبحت العين شريكاً في الخلق الفني
في منعطف ستينيات القرن العشرين بينما كان العالم يترنح بين أنقاض حربين عالميتين وطموحات فضائية غير مسبوقة ظهرت حركة فنية استثنائية قرّرت أن تجعل من الإدراك البشري نفسه موضوعاً للفن لم تكن Op Art(اختصاراً لـ Optical Art الفن البصري) مجرد أسلوب تشكيلي بل كانت ثورة على مفهوم المشاهدة السلبية وتحويل العمل الفني إلى مختبر بصري يختبر حدود الرؤية والوعي.
لم تكن هذه الحركة منفصلة عن سياقها العلمي والفلسفي. فبينما كان موريس ميرلو بونتي يكتب عن "ظاهرة الإدراك" وكان علماء البصريات يكتشفون أعماقاً جديدة في كيفية رؤية العين البشرية كان الفنانون يبحثون عن لغة بصرية تعكس هذا الاهتمام بالعمليات الإدراكية هنا برز فيكتور فازاريلي (1906-1997) كأب روحي للحركة مؤمناً بأن الفن يجب أن يتحول من كونه شيئاً نخبوياً إلى تجربة جماهيرية قائمة على العلم.

لم يكن فازاريلي رساماً تقليدياً بل كان باحثاً بصرياً بعد دراسته الطب والعلوم حوّل اهتمامه إلى الفن معتقداً أن "الجمال يجب أن يكون علمياً وقابلاً للقياس" في مرسمه كان يعامل اللوحة كمعمل تجارب مستخدماً أنماطاً هندسية دقيقة وألواناً متقابلة لخلق ما أسماه "تناغمات بصرية" أعماله مثل "زوبرا" (Zebra) و"فيكا" (Vega) أصبحت نصوصاً أساسية في حركة "Op Art "
كيف تعمل الخدعة البصرية؟
السر لم يكن في السحر بل في علم وظائف الأعصاب البصرية عندما تواجه العين أنماطاً متكررة بتباين عالٍ (خاصة الأسود والأبيض) تبدأ الخلايا العصبية في الشبكية في "التنافس" على تفسير الصورة هذا الصراع يخلق أوهاماً بالحركة والاهتزاز والعمق حتى عندما يكون السطح مسطحاً تماماً العمل الفني لم يعد شيئاً ثابتاً بل أصبح كائناً ديناميكياً يتغير مع حركة المشاهد وزاوية النظر.
اليوم قد تبدو بعض أعمال Op Art وكأنها ذكريات من حقبة زمنية لكن أسئلتها لا تزل حية في عصر الصور الرقمية والواقع الافتراضي ما زلنا نواجه نفس التساؤلات عن طبيعة ما نراه ومدى مصداقيته فازاريلي ورفاقه لم يخدعوا أعيننا فقط بل جعلونا نرى عملية الرؤية نفسها مذكريننا بأن الفن الذي لا يقدم إجابات يفتح أعيننا على أسئلة لم نكن نعرف أننا نحملها

























