من قلبِ سماوةَ الوادعة حيثُ يمتزجُ حَنَقُ الطينِ بعبقِ النخيل وُلِدَ شاكر حسن آل سعيد عام 1925 من تلك البقعةِ الجنوبيةِ من العراق بدأت رحلةُ فنانٍ سيحملُ معه أحلامَ طفلٍ رأى العالمَ بلونٍ مختلف طفلٌ تعلّم من أرضِ السماوةِ أولى دروسِ الجمال من انعكاسِ الضوءِ على ماءِ الفرات ومن ظلالِ النخيلِ التي ترسمُ على الأرضِ لوحاتٍ متحركة.
في قلعة سكر حيثُ تمتدُّ البساتينُ وتهمسُ المياهُ بحكاياتِ الأجداد نما موهبتهُ الأولى كانت الطبيعةُ هناك معلمتهُ الأم علّمتهُ كيف تكونُ الخطوطُ ناعمةً وحادةً في آن وكيف تلتقي الألوانُ لتصنعَ معنى ثم كانت الرحلةُ إلى بغداد المدينةِ التي لا تنام حيثُ الأضواءُ والأصواتُ والأسرار في مدرسةِ الإعداديةِ المركزية بدأت ملامحُ فنانٍ يبحثُ عن بصمتهِ الخاصة.
لم تكن ريشتهُ مجردَ أداةٍ للرسم بل كانت لسانَ حالِ روحٍ متعطشةٍ للجمال في مديريةِ المساحة حيثُ الدقةُ والتفاصيلُ الصغيرةُ هي القانون كان يتعلمُ كيف يكونُ الفنُ هندسةً روحية ثم في دارِ المعلمينَ العالية حيثُ تخرجَ عامَ 1948 كان يكتشفُ أن الفنَ هو أيضاً علمُ اجتماع هو علاقةٌ بين الإنسانِ والمكانِ والزمان.
وعندما أسسَ مع رفاقهِ جماعةَ بغدادَ للفنِ الحديثِ عامَ 1951 كان يحاولُ أن يجدَ للفنِ العراقيِ صوتاً جديداً مختلفاً يليقُ بتاريخِ هذه الأرض. كانت باريسُ محطةً أخرى في رحلته حيث أمضى سنواتٍ بين 1955 و1959. هناك، في شوارعِ العاصمةِ الفرنسية، كان يتعلمُ كيف يدمجُ بين الأصالةِ والمعاصرة كيف يكونُ عراقياً وعالمياً في الوقتِ نفسه.
كان التدريسُ بالنسبةِ لهُ ليس مجردَ مهنة بل هو رسالة في فرنسا أولاً ثم في السعودية كان ينقلُ تجربتهُ للآخرين ليس كقواعدَ جامدة بل كأسئلةَ تفتحُ الأبوابَ أمام إجاباتٍ جديدة ومن هذه الرحلاتِ الفكريةِ ولدتْ فكرةُ "البعدِ الواحد" التي أسسَ لها مع جماعةٍ من الفنانينَ عامَ 1970 ليكونَ مشروعهُ البحثَ عن الجوهر عن البساطةِ التي تختزلُ التعقيد.
كتبهُ ومقالاتُه كانت نوافذَ يطلُ منها على عالمهِ الداخلي محاولاً أن يجدَ الجسورَ التي تربطُ بين الشكلِ والمضمون بين الحرفِ والروح معارضُه التي أقامها من بغدادَ إلى الكويتَ إلى عمانَ وتونس، كانت حواراً متصلاً بينهُ وبين العالم.
وفي السنواتِ الأخيرةِ من حياتهِ اتجهتْ ريشتُه أكثرَ نحو الصوفية نحو البحثِ عن اللهِ في تفاصيلِ الجمال أصبحتْ لوحاتُه أشبهَ بصلواتٍ مرسومة مصحفاً بصرياً يحكي عن التساميِ والصفاء وفي آذارَ من عامِ 2004 غادرَ الفنانُ الجسد لكنه تركَ وراءهُ إرثاً لا يغيب تركَ أسئلةً وألواناً وحروفاً تنتظرُ من يقرأها من جديد في زمنٍ يحتاجُ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى إلى الجمالِ والحكمة.






























