عندما يتحول الألم إلى فن

عندما تلامس عيناك حدود الفن، قد تبتسم أحيانًا، أو تذرف دمعة، أو تمسك رأسك متسائلًا: “ما هذا الذي أراه؟”. تصور معي لوحة تطل من القرن السادس عشر كشبحٍ يرفض النسيان: “الدوقة القبيحة” للفنان كوينتن ماسيس 1513م في نظرة أولى، يلفّك صمتٌ ثقيل، ثم تبدأ التفاصيل بالتسلل إلى وعيك تلك المرأة العجوز بوجهٍ يشبه جذع شجرة معوجّ، بثيابٍ فاضحة لمخيلة عصرها، تمسك بيدها برعم وردةٍ كأنها تهدي العالم سرًا ضائعًا. لقرون، دارت حولها همسات السخرية: أهي صرخة ضدّ شيخوخة الجسد؟ أم صورة لمغوية عجوز تختفي خلف قرون غطاء رأسها؟ لكن الحقيقة، كعادتها، أكثر إيلامًا من أي خيال. لقد كانت تلك “الدوقة المسكينة” ضحيةً لكابوسٍ طبي اسمه “داء باجيت”، حيث تنقلب عظام الجسد إلى سجّانٍ قاسٍ، مشوّهةً ملامحها بلا برحمة أي قسوة تلك التي جعلت من آلام إنسانةٍ لوحةً للسخرية عبر العصور ربما كانت في يومٍ ما فتاةً تحمل الورود، أو أمّاً تحتضن طفلها. لكن التاريخ لم يحفظ منها إلا لحظة ضعفها الأقسى. عاشت الكونتيسة مارغريت مالت (المشتبه بأنها موضوع اللوحة) في القرن الـ١٤ (توفيت 1369)، بينما اللوحة رُسمت عام 1513 (أي بعد وفاتها بـ140 عامًا). في ذلك العصر، كان تصوير النساء غير الملكيات أو القديسات نادرًا، خاصة بمراحل عمرية متعددة. الخلاصة المأساوية: “الدوقة القبيحة” قد تكون الصورة الوحيدة الباقية لامرأة عانت في صمت، جسّدها المرضُ لوحةً، وحول ألمها إلى أسطورة للسخرية وغياب صورها “قبل التشوه” يُذكرنا بأن التاريخ غالبًا ما يحفظ وجوه الضحايا فقط في لحظات ضعفهم لننظر إليها اليوم بعين مختلفة: ليس كـ”دوقة قبيحة”، بل كضحية لمرض قاسٍ، وضحية لسخرية تاريخية أقسى. فلنكن الجيل الذي يمنحها ما حُرمت منه: الفهم بدل السخرية، والاحترام بدل الازدراء.”

عندما يتحول الألم إلى فن Read More »