فن الأبواب النجدية

فن الأبواب النجدية عبق التاريخ ونبض الجمال

في عمارة نجد لم تكن الأبواب مجرد وسائل للعزل والخصوصية بل كانت لوحات فنية تشهد على براعة الحرفي وعبق التاريخ فمن خلال تصميمها وزخرفتها يمكن تمييز هوية كل مدينة نجديّة حيث تشتهر كل من عنيزة والرياض وسدير وبريدة بأنماطها الخاصة ليوجد أكثر من 30 نوعاً من الأبواب المزخرفة لكل منها قصته وجماله.

لم ينبع جمال الباب النجدي من صدقه فهو يُصنَّع من خامات محلية كجذوع النخل والأثل التي تُقطع إلى شرائح (الفلوج) وتُصفّ بدقة على ثلاث عوارض هذا الحوار بين الخشب والطين يخلق انسجاماً يجعل الباب جزءاً عضوياً من البناء.

هندسة الكون وبهاء الطبيعة

لا مكان للعفوية في فن الأبواب النجدية فالبساطة هنا مُتقَنة ومحسوبة تعتمد الزخرفة على لغة الكون الأساسية من مثلثات ومربعات ودوائر وخطوط متقاطعة، لتشكل نسيجاً زخرفياً متماسكاً لكن القلب النجدي المتصل بالطبيعة يضيف لمسات من سعف النخيل والأوراق وعناقيد العنب المستوحاة من بيئته المحيطة.

تميزت أبواب نجد عن غيرها بدمجها للزخرفة والنقوش مع الألوان الزاهية المستوحاة من أشجار المنطقة كالأخضر من الأكاسيا والأصفر من ثمارها مما أضفى عليها لمسة جمالية فريدة وكان الباب الأمامي يتضمن اسم صانعه وتاريخ صنعه وعبارات الحمد والشكر ليكون سجلاً حضارياً على الخشب.

ولحماية الأبواب وإضفاء البهجة استخدم الحرفيون ألواناً من بيئتهم كالرمان وطوروا تقنيات خاصة بخلط المساحيق المستوردة مع مواد محلية كالدبس وقشر الرمان والسكر لصنع ألوان زاهية تزيد الجمال بهاء.

الخاتمة:إرث حي يتنفس في ورش التعلم

واليوم لم يعد هذا الفن مجرد ذكرى من الماضي بل تحول إلى إرث حي يدرس كنوع أصيل من الفنون السعودية ففي ورش متخصصة تتواصل حلقات العطاء من خلال برامج تدريبية تهدف إلى إتقان تقنيات النجارة والزخرفة والنحت على الخشب، مستوحاة من تراث نجد العريق. هذه الجهود لا تحافظ على الحرفة من الاندثار فحسب، بل تفتح آفاقاً جديدة للأجيال لاستكمال مسيرة الأجداد، مؤكدة أن هذه الأبواب ستظل مشرعةً على المستقبل، حاملةً معها عبق التاريخ وروح الأصالة.

وبهكذا تتحول هذه الأبواب من مجرد عناصر معمارية إلى شواهد مادية على فلسفة كاملة للحياة تجسد رؤية عميقة حيث لا ينفصل الجمال عن المنفعة ولا تعلو الزخرفة على الوظيفة إنها شهادات خالدة على عبقرة إنسان هذه الأرض الذي استطاع تحويل محدودية الموارد إلى إبداع لا محدود محققاً التوازن بين متطلبات الحياة اليومية وسموّ الروح الجمالية.

المصادر:

error: Content is protected !!