
من بين الأزقة الضيقة في تطوان حيث تختلط روائح الألوان الزيتية بعبق التاريخ ولدت فاطمة حسن الفروج عام 1945 في منزل متواضع بين أواني الطهي وألوان الرسم بدأت رحلتها مع الفن ليس عبر قاعات الدراسة الأكاديمية ولكن من خلال عينين تريان الجمال في أبسط تفاصيل الحياة اليومية.
التقت بزوجها الفنان حسن الفروج الذي لم يكن زوجاً بل كان المعلم الأول الذي فتح أمامها أبواب العالم السحري للألوان والخطوط لكن موهبتها الفطرية النقية سرعان ما تجاوزت حدود التعلم لتصنع لها مساراً خاصاً يمزج بين براءة الفن الفطري وعمق الرؤية الإنسانية.
في معرضها الأول عام 1965 وهي في العشرين من عمرها قدمت فاطمة عالمها البصري المليء بالألوان الزاهية والأشكال الهندسية المستوحاة من الحلي الأمازيغي والزخارف التقليدية لوحاتها كانت نوافذ تطل على روح المرأة المغربية في أوساط الطبقة العاملة تحكي قصص الفرح والألم والأمل بتلقائية أخاذة.
عبر أكثر من أربعة عقود أنتجت فاطمة أعمالاً أصبحت أيقونات للفن الفطري المغربي. لوحات مثل "الحائكة والطفل" (1967) و"تحت الخيمة" (1967) و"الحفل" (1980) تنبض بالحياة وتختزل رؤية فنية فريدة تجمع بين البساطة والتعقيد، بين التقاليد والتحرر.
لم تكن فاطمة مجرد رسامة بل كانت راوية قصص بصريّة كما وصفتها الناقدة الفرنسية إمانويل أوتيي: "كالراوية في ألف ليلة وليلة الأسيرة والسيدة الحاكمة في نفس الوقت" في لوحاتها حررت المرأة من الصور النمطية مقدمة إياها في كامل قوتها وأناقتها اليومية.
معارضها المنتشرة من الرباط إلى لشبونة من الدار البيضاء إلى باريس ودالاس شهدت على تألق هذه الفنانة التي استطاعت بفطرتها أن تخطف أنظار النقاد والمتذوقين. وفي عام 2018 احتفى متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بمسيرتها الفنية بمعرض استيعادي ضم أعمالها إلى جانب فنانات شعبيات أخريات.
رحلت فاطمة عام 2010 لكن ألوانها بقيت تشع كشاهد على فنانة استثنائية استطاعت أن تحول الحياة اليومية البسيطة إلى لوحات خالدة تروي قصة امرأة مغربية رأت العالم بعين القلب قبل عين البصر.



























