حين يفقد اللون صوته

"حين يفقد اللون صوته"

"الفن التشكيلي بين الصدق والادعاء"

الفن التشكيلي لم يعد كما وُلد أول مرة لم يعد تلك الصرخة الصامتة في وجه القبح ولا تلك المحاولة البريئة لفهم العالم صار سوقًا مفتوحًا تتقاذفه العيون قبل الأرواح تتصدره الأسماء لا الأفكار وتُباع فيه الألوان كما تُباع الأحلام في المزاد الفن الذي كان مرآة الداخل تحول إلى واجهة للخارج غابت المعاناة الصادقة وحل مكانها الاستعراض غاب الصدق وجاء التبرير

لم يعد الفنان منشغلًا بالبحث بل بالتوقيع لم يعد العمل حالة شعورية بل استثمارًا بصريًا تسكنه الادعاءات أكثر مما تسكنه الرؤى بعض اللوحات تقف أمامها ولا تشعر بشيء لا لأنك لا تفهم بل لأنها لم تُخلق لتُفهم بل لتُشترى لتُعلق على جدار لا يهم من يراها بل من يدفع ثمنها أما المدارس التشكيلية فقد تحولت إلى تصنيفات تجارية لا تحمل سوى أسماء كبرى تلوكها الألسنة دون وعي ولا إدراك أصبح الفن سلعة فاخرة بدلاً من كونه حاجة إنسانية عميقة

صار الحديث عنه يشبه الحديث عن ماركات الملابس لا عن القيم والمعاني حتى المتاحف صارت صالات انتظار باردة تفتقر إلى الروح الناس يمرون بها كما يمرون على إعلان ترويجي يلتقطون الصور أكثر مما يلتقطون الأحاسيس أين ذهب الوجدان من هذه المعادلة متى أصبح التعبير مرهونًا بالإعجاب ومتى تحولت الريشة إلى أداة تملق لا أداة كشف الفن التشكيلي يعيش أزمة هوية لا لأنه فقد أدواته بل لأنه فقد صدقه لأن الفنان لم يعد يرى بعينه بل بعين المتلقي المتوقع وهذا وحده كفيل بتحويل الإبداع إلى تكرار وتحويل المعنى إلى زينة

error: Content is protected !!