د .فرغلي عبدالحميد – مصر

في عام 1977، وفي ذروة توهجه الفني المبكر، أنجز الفنان التشكيلي المصري الراحل د. فرغلي عبدالحفيظ لوحتين زيتيتين على كانفاس بإطار من الخيزران اليدوي، لا يتجاوز قياس كل منهما 30×30 سم. وعلى صغر حجمهما، تشكل هاتان اللوحتان نافذة مكثفة إلى عالم فني زاخر بالروح والرمز وجمال التعبير، حيث تتجلى ملامح مشروعه البصري القائم على التعبيرية الداخلية والهوية الإنسانية المتأملة. مواصفات فنية وشاعرية مادية: في كلا العملين، يقدّم فرغلي وجهًا أنثويًا يتوسط سطح اللوحة بلا خلفية مشتتة، وجها ساكنًا، حالمًا، تنبع ملامحه من الداخل أكثر مما تنتمي إلى الواقع. الوجنتان تشتعلان بحمرة خافتة، والعيون واسعة، حالمة، وكأنها تبحر في أفق لا يُرى. أما الملمس، فقد عالجه الفنان بلمسات خشنة، ليمنح الإحساس بأن هذه الوجوه ليست وليدة لحظة، بل بقايا أرواح من زمن بعيد. الوجه كرمز لا كبورتريه: الوجوه في أعمال فرغلي، كما يتجلى هنا، ليست واقعية ولا تسجيليّة، بل هي رموز معلّقة بين الطفولة والقداسة، بين القناع والمرايا. يختزل الفنان كل العالم في نظرة، كل السرد في شفة، ويوزع الألوان—بين الأحمر، الأزرق، الأبيض والأسود—كمن يكتب قصيدة صامتة على قماش اللوحة. الإطار ذاته، المصنوع يدويًا من خيزران مثقوب، ليس مجرد عنصر عرض، بل امتداد للفكرة، لروح الحرفي الشعبي، وللصنعة البصرية التي تحتفي بالجمال المتقشف واليدوية الطقسية. من الصعيد للعالم: وُلد د. فرغلي عبد الحفيظ في أسيوط عام 1941، ودرس في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ثم واصل دراسته العليا في ألمانيا، ليصبح لاحقًا أستاذًا ورئيسًا لقسم التصوير. يمثل فرغلي أحد أبرز وجوه جيل الستينيات، الذين سعوا لصياغة حداثة مصرية متجذرة في الذاكرة البصرية للصعيد والنوبة والوجدان الشعبي المصري. لم يكن معنيًا بالتجريب التقني فحسب، بل آمن بالفن كـ"حالة وجود"، فحرص أن تكون خاماته من البيئة: أقمشة ريفية، أخشاب قديمة، مسامير، وخيزران. لوحاته الفريدة لا تُعلق فحسب، بل تُقدَّم كما تُقدَّم الطقوس. ختاما، الشعر في هيئة وجه إن لوحتي عام 1977، رغم بساطتهما الظاهرة، تنطويان على عمق رمزي وشعري كبير. هما بمثابة مرآتين للزمن، للأنوثة الخالدة، ولوجه مصر الحالم. فرغلي عبد الحفيظ، في هذه المرحلة، لم يكن يرسم فقط، بل كان ينظم بالفرشاة قصائد لا تُقال وتُكتب بالقلم.

#د.عصام عسيري