في واحة الأحساء حيث تلتف النخيل حول ذاكرة المكان، وُلد عبدالرحمن السليمان عام 1954 حاملاً في عينيه أسرار الخط العربي وألوان الصحراء. بدأت حكايته مع الفن على سبورة المدرسة الابتدائية، حيث كان يخطّ بحماس حكمة اليوم، قبل أن تتحول هذه الهواية إلى شغفٍ دفع به ليكون أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية السعودية.
بدايات من دفتر مدرسي:
في ذكرياته الأولى، يروي السليمان كيف رسم شقيقه الأصغر على ورقة من دفتره المدرسي: "كان الشبه كبيراً، ما أسعدني وأسعد والدي". هذه اللحظة الحميمة كانت الشرارة التي أشعلت موهبته. في صيف 1971، انضم إلى مرسم نادي الاتفاق حيث أنتج 24 لوحة زيتية دفعة واحدة، ليقيم أول معرض مشترك يحصل خلاله على أول جائزة فنية في حياته - ساعة يد ثمينة.
بين التعليم والإبداع:
تخرج السليمان من كلية المعلمين بالدمام متخصصاً في التربية الفنية (1991)، لكنه لم يكتفِ بالتدريس. كرس حياته لثلاثة مسارات متوازية: الإبداع: أكثر من 10 معارض شخصية من باريس إلى الكويت والتوثيق أبحاثه التي أرّخت للفن السعودي مثل "مسيرة الفن التشكيلي السعودي" والإدارة: ترؤسه للجمعية السعودية للفنون التشكيلية
تحولت أعمال السليمان إلى قطعٍ شهيرة في المزادات العالمية، حيث بيعت لوحته "مصلّون يغادرون المسجد" (1981) في دار "سوذبيز" اللندنية بـ178 ألف دولار. أعماله التي تجسد الحياة الشعبية السعودية بأسلوب واقعي معاصر، أصبحت جسوراً بين التراث المحلي والعالمية.
لم يكتفِ السليمان بالريشة واللون، بل أسس عبر كتبه ومحاضراته (مثل محاضرته في بينالي الدرعية 2022) مدرسةً فكريةً كاملة. تكريمه في 2018 تحت عنوان "لون المكان.. عطر الذاكرة" لم يكن إلا تتويجاً لرحلة فنانٍ حوّل البيئة المحلية إلى إبداعٍ عالمي، ومازال حتى اليوم يروي حكاية الفن السعودي بلغة الألوان.



