د.عصام عسيري

وُلِدَ الدكتور عصام عبد الله العسيري في مدينةِ بريدةَ عامَ 1971، حاملاً في روحِهِ نَزَعَةً جماليةً تتناغمُ معَ جبالِ عسيرَ التي انحدرَ منها. لم تكُن رحلتُهُ الفنيةُ مجرّدَ مسارٍ وظيفيّ، بل حكايةَ حوارٍ متواصلٍ بينَ التراثِ والحداثةِ، وبينَ الأكاديميا والإبداعِ.

ابتدأ مسيرتَهُ الأكاديميةَ بدراسةِ التربيةِ الفنيةِ في جامعةِ أمِّ القرى، وتخرّجَ فيها عامَ 1994، ليعودَ إليها مُعيداً ثمَّ صعدَ سُلّمَ العلمِ خطوةً خطوة: فحصلَ على الماجستيرِ عامَ 2007، ثمَّ الدكتوراهِ من جامعةِ الملكِ سعودَ عامَ 2018، معَ إثراءِ تجربتِهِ بدراساتٍ متقدمةٍ في أبحاثِ التصميمِ ببريطانيا.

في محرابِ التدريسِ، حيثُ قضى ما يقاربُ عقدينِ منَ الزمنِ رئيساً لقسمِ التربيةِ الفنيةِ بجامعةِ الملكِ عبدِ العزيزِ (1995–2009)، لم يكتفِ بتعليمِ الطلبةِ تقنياتِ الرسمِ أو الزخرفةِ الإسلاميةِ، بل زرعَ فيهم "العينَ الثاقبةَ" التي ترى العالمَ كلوحةٍ قابلةٍ للتأويلِ. كانَ فصلهُ الدراسيُّ ورشةً مفتوحةً تَصْهَرُ فيها أسسُ التصميمِ معَ فلسفةِ الجمالِ، وتذوُّقِ الفنونِ معَ العلاجِ النفسيِّ بالإبداعِ.

أمّا في ميدانِ الإبداعِ، فقدْ نسجَ العسيريُّ بصمتَهُ بخيطينِ ذهبيّين:

الأولُ الخطُّ العربي الذي أسّسَ لهُ معَ رفاقِهِ في "جماعةِ الخطِّ السعوديِّ" عامَ 1997، فحوّلَ الحروفَ إلى كائناتٍ حيّةٍ تتراقصُ بينَ الأصالةِ والابتكارِ

. والثاني العمارةُ التراثيةُ التي أودعَ فيها روحَهُ حينَ فازَ تصميمُهُ بجائزةِ "مساجدَ تشدُّ إليها الرحالُ" عامَ 2007، ثمَّ جائزةِ التراثِ العمرانيِّ عامَ 2015، ليكونَ شاهداً على قدرتِهِ على تحويلِ الحجرِ إلى قصيدةٍ بصريّةٍ.

لم تنحصرْ إبداعاتُهُ في الحروفِ والحجارةِ، بل امتدّتْ إلى عالمِ الخيولِ التي جسّدَها في معرضَيْ "الخيلِ" (2008) و"حداثةِ الخيلِ" (2013) كرموزٍ للحريةِ والأصالةِ، ترفعُ حوافرَها فوقَ حدودِ الزمنِ. هذه الأعمالُ – إلى جانبِ لوحاتِهِ التشكيليةِ – صارتْ مقتنياتٍ ثمينةً في متاحفَ عالميةٍ ومجموعاتٍ خاصّةٍ.

بينَ الألوانِ والأفكارِ، أسّسَ العسيريُّ "بيت الخبراء للفنون البصرية" كحاضنةٍ تذوبُ فيها الحدودُ بينَ التصميمِ الصناعيِّ والفنِّ التشكيليِّ، وكمنصّةٍ يُعيدُ فيها تعريفَ الجمالِ الوظيفيِّ. وهوَ اليومَ، وهوَ يُدرّسُ كأستاذٍ مساعدٍ في كليةِ التصاميمِ والفنونِ بجامعةِ جدةَ، ما يزالُ يحملُ نفسَ السؤالِ الذي يطرحُهُ في كتابيهِ "العين الثاقبة" و"العين الثانية": "كيفَ نُخرِجُ الداخلَ الإنسانيَّ إلى سطحِ الوجودِ؟"

سيرتُهُ – في النهايةِ – ليستْ سجلاً للجوائزِ أو المعارضِ، بل شهادةُ فنانٍ حوّلَ الحياةَ إلى لوحةٍ، والتعليمَ إلى إضاءةٍ، والتراثَ إلى مستقبلٍ.

للاطلاع للمزيد من اعمال الفنان